الرواق المشترك للمجلس وشركاؤه بمعرض الكتاب يختتم أنشطته بباقة متنوعة من اللقاءات همت حفظ التراث والحق في المدينة والحق في البيئة وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والمحكمة الدستورية ومبدأ الدفع بعدم دستورية القوانين
احتضن رواق المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في آخر أيام المعرض الدولي للنشر والكتاب (الأحد 7 أبريل 2013)، خمسة لقاءات ناقشت مواضيع ترتبط بالحق في المدينة والحق في البيئة وولوجيات الأشخاص في وضعية إعاقة والمحكمة الدستورية ومبدأ الدفع بعدم دستورية القوانين، بالإضافة إلى تقديم كتاب "الريف: أثر التاريخ"، الذي صدر عن المجلس.
هكذا، نظمت اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بأكادير، في إطار فقرة ديناميات اللجان الجهوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، لقاء حول موضوع "الحق في المدنية" سير مجرياته السيد محمد شارف، رئيس اللجنة وشارك فيه كل من السيد خالد العيوض، عضو اللجنة والسيد محمد بنعتو، باحث جامعي والسيد عبد الرحيم قاسو، عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان وعضو مكتب جمعية الدار البيضاء الذاكرة. ويقارب الحق في المدينة إشكالية المدينة بشكل شمولي ومندمج. ويقوم هذا المفهوم الذي ظهر مع نهاية سنوات الستينات على يد عالم الاجتماع والجغرافي هونري لوفيبر، على إيجاد قوانين ومعايير توافقية تمكن من تحقق العيش المشترك في إطار مدينة مواطنة وديمقراطية حيث يملك المواطن إمكانية التعبير عن رأيه في تدبير مدينته.
وقد أكد المتدخلون خلال هذا اللقاء أن الحق في المدينة، بوصفه أساس دولة الحق والقانون، لا يهم فقط الفضاء العام بل الأماكن الخاصة وفضاءات التشغيل أيضا، وأضافوا أن الإعمال الفعلي للحق في المدنية يمر عبر اعتماد نظام حكامة أفقية في تدبير شؤون المدينة من خلال إشراك المواطن في اتخاذ القرار وتشجيع الالتقائية بين مختلف المتدخلين والحرص على أن "ينبع الطلب الاجتماعي من الساكنة قبل أن يمر إلى التطبيق عبر الفاعل التقنوقراطي والسياسي". كما أبرزوا أهمية التواصل والتحسيس لنشر ثقافة المواطنة وتكريس الإحساس بالانتماء للمدينة وكذا أهمية استهداف الفئات الشابة من خلال النهوض بعمل نوادي المواطنة وحقوق الإنسان بالمؤسسات التعليمية والجامعات، مشيرين إلى ضرورة جعل المدينة فضاء دامجا محتضنا ومجالا لتفتح الطاقات مستجيبا للحقوق الإنسانية وللمقتضيات النوع الاجتماعي والقيم والخصوصيات المحلية. كما ركزوا على ضرورة ارتكاز تدبير المدينة على ثلاث مقاربات تشمل التصور التقني والسياسي والحقوقي وشددوا على أن توسيع المدن يجب أن ينفذ وفق مشروع اجتماعي وليس بناء على منظور استثماري. وفي إطار الفقرة ذاتها، نظمت اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالداخلة- أوسرد، لقاء حول الحق في البيئة عمل على تسيير أطواره، السيد محمد الأمين السملالي، رئيس الجهة وشارك فيه كل من السيد البشير تيروز والسيد عبد الله الهنوني والسيد محمد لغظف خيا، أعضاء اللجنة. وتم خلال هذا اللقاء التذكير بالمسار التاريخي لمفهوم الحق في البيئة، بوصفه حقا من حقوق الإنسان غير القابلة للتصرف، بدء من الإعلان المعتمد بستوكهولم في يونيو 1972 من طرف مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة، ومرورا بقمة الأرض بريو ديجنيورو سمة 1992 وهو المفهوم الذي تم تكريسه تدريجيا من خلال معاهدات دولية أخرى أو في نطاق دساتير وقوانين وطنية.
كما تم التذكير بأبرز خلاصات اللقاء الدولي الذي نظمه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حول "الإعمال الفعلي للحق في البيئة" يومي 25 و26 نونبر 2012 بمدينة الداخلة، والذي أكد المشاركون فيه أهمية اعتماد مقاربة بيداغوجية في مجال التربية والتحسيس والتكوين من أجل تكريس الحق في البيئة بالإضافة إلى الحرص على خلق الانسجام بين السياسات العمومية في مجال البيئة وضمان سبل الانتصاف واللجوء للقضاء في ما يتصل بضمان الحق في البيئة. كما أكدوا ضرورة مراعاة حقوق الساكنة في بيئة سليمة لدى وضع تصاميم التهيئة العمرانية وإدماج نتائج الدراسات البيئية في هذه التصاميم. وتم خلال هذا اللقاء أيضا تقديم أنشطة جمعية الطبيعة مبادرة التي تأسست سنة 2003 وتدخلاتها بجهة وادي الذهب الكويرة في مجال حماية التنوع البيولوجي لاسيما من خلال حماية الفقمة الراهب وغزال آدم ومحاربة الصيد العشوائي ومحاربة التصحر. واحتضن رواق المجلس لقاء حول "المجال الإدماجي أو الولوجية للجميع"، أطر أشغاله السيدين عبد المجيد مكني، رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإسنان بمكناس فاس، والسيد عبد الرحمن المودني، عضو اللجنة الجهوية لحقوق الأسنان بالرباط -القنيطرة. وقد ركز اللقاء على "مفاتيح" الولوجيات، التي يمكن تلخيصها في المعمار والعمران، النقل والتنقل، الوقاية والأمن، الشغل والولوج إلى مكان العلم، الولوج إلى فضاءات الترويح و، أخيرا، التواصل. وفي هذا الإطار دعى المشاركون إلى ضرورة إعمال حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة في الولوج إلى المعلومات والوثائق والأمكنة كافة، وفقا لما تنص عليه الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة التي يعد المغرب من الدول المصادقة عليها، وتضافر جهود جميع المتدخلين لتأهيل الفضاءات وجعلها ولوجة للجميع والاهتمام باحتياجات كافة المواطنين على حد سواء لبناء مجتمع ديمقراطي حداثي وعادل. وفي سياق "أوراش المجلس الوطني لحقوق الإنسان"، احتضن فضاء الندوات بالرواق لقاء حول المحكمة الدستورية والدفع بعدم دستورية القوانين، سيره السيد ندير المومني، أستاذ القانون الدستوري ومكلف بمهمة لدى رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وشارك في أشغاله السيد سعيد بنعربية، عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسيدة نادية البرنوصي، أستاذة القانون الدستوري. وقد شدد المشاركون في اللقاء على أن المراقبة الدستورية، التي كرسها دستور فاتح يوليوز 2011، سواء من خلال التنصيص على إحداث المحكمة الدستورية أو على مبدأ الدفع بعدم دستورية القوانين، تعتبر جوهر دولة الحق والقانون، بحيث سيصبح البرلمان وستصبح المؤسسات خاضعة لأحكام الدستور وسيصبح القاضي الدستوري قريب من المواطن أو المتقاضي العادي، إلا أن هذا الحق وطريقة ممارسته، وكذا اختصاصات المحكمة الدستورية رهين بصدور قانونيهما التنظيميين. وتجدر الإشارة في الإطار أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان كان قد أصدر مذكرتين في الموضوع.
كما كان آخر أيام المعرض فرصة لتقديم كتاب "الريف: أثر التاريخ"، وهو مجلد أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان يجمع أعمال الندوة الدولية التي كان المجلس قد نظمها بالحسيمة حول "التراث الثقافي بالريف: أية تحـافـــة؟"، وذلك يومي 15 و 16 يوليوز 2011. ويضم الكتاب، الذي قدمه السيد أحمد سراج، المشرف على هذا المشروع، مقالات علمية لمتخصصين وباحثين وخبراء ومؤرخين وأكاديميين... حول تراث الريف الثقافي والمادي واللامادي. وسيكون، لا شك، هذا "الكتاب الجميل"، قاعدة من القواعد الأساسية لانطلاق مشروع إحداث متحف الريف، هذا الكتاب الذي اعتبره بعض الحاضرين "جبرا حقيقيا للضرر"، خاصة أنه يأتي إطار تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في مجال الأرشيف، التاريخ والذاكرة.
يذكر أن رواق المشترك شهد مشاركة أزيد من 7000 مشارك حضروا 62 ندوة ومائدة مستديرة أطرها نحو 126 فاعلا وطنيا ودوليا. .وقد شكل الرواق أيضا مناسبة للمؤسسات الثلاثة من أجل تقديم لائحة متنوعة وغنية من إصداراتها. ووضعت المؤسسات الشريكة برنامجا غنيا ومتنوعا للرواق يتمحور حول خطوط عريضة عدة، من بينها الرشوة وحقوق الإنسان، شباب المغرب، تنظيم المنافسة والمقاولة المواطنة، الإعاقة والأشخاص في وضعية إعاقة، أوراش المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وغيرها من المواضيع المحورية. وقد تمثل الهدف من في إطلاع المواطنين على المكانة الجديدة التي باتت تتبوؤها مؤسسات الحكامة الجيدة وحماية الحقوق والديمقراطية التشاريكة في الدستور الجديد، هذه المؤسسات التي يمكنهم أن يجدوا فيها فضاء للاستماع لهم ولتلقي تظلماتهم، بالإضافة إلى تقديم اختصاصات ومهام هذه المؤسسات وشرح طرق عملها وسبل اللجوء إليها والتعريف بما حققته من إنجازات وبأوراشها المستقبلية.