ندوة : كونية حقوق الإنسان مسلسل بناء متواصل تقع على عاتق كل جيل مسؤولية إعمالها وتكريسها وإعادة اكتشافها
نظم المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشراكة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان والمنظمة الدولية للفرانكفونية يومي 2 و 3 أكتوبر 2012 بالرباط، ندوة دولية حول موضوع "حقوق الإنسان كحقوق كونية وغير قابلة للتجزيء"، شارك في أشغالها نخبة من الجامعيين والخبراء الوطنيين والدوليين ومسؤولين حكوميين من المغرب وتونس وجنوب إفريقيا والسينغال التايلاند وفرنسا والهند وقطر وغانا والمكسيك والمملكة المتحدة.نظم المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشراكة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان والمنظمة الدولية للفرانكفونية يومي 2 و 3 أكتوبر 2012 بالرباط، ندوة دولية حول موضوع "حقوق الإنسان كحقوق كونية وغير قابلة للتجزيء"، شارك في أشغالها نخبة من الجامعيين والخبراء الوطنيين والدوليين ومسؤولين حكوميين من المغرب وتونس وجنوب إفريقيا والسينغال التايلاند وفرنسا والهند وقطر وغانا والمكسيك والمملكة المتحدة.
وقد سعت النقاشات المستفيضة التي شهدها هذا اللقاء إلى مقاربة بموضوع كونية حقوق الإنسان وعدم قابليتها للتجزيء من زاوية ثلاثة أسئلة كبرى تهم :
كيف نفكر موضوع الكونية في مجال حقوق الإنسان وبأي كلمات ومفاهيم وكيف نصوغ هذه الكونية في السياق الفكري والمجتمعي والمحلي والدولي الراهن ؟
كيف نفكر العلاقة بين التقاليد الدينية وكونية حقوق الإنسان ؟
هل العلاقة بين الحقوق الإنسانية والتعددية الثقافية محكومة بالتنافر والتوتر؟ أم أنها قابلة بأن تدبر وفق منطق ملاءمة عقلانية وبراغماتية؟
ويستجيب تنظيم هذه الندوة لرغبة في استعادة كونية حقوق الإنسان على ضوء السياق المحلي لبلدان الضفة الجنوبية للمتوسط المتسم من جهة بتحولات سياسية واجتماعية قوية دشنت بداية الخروج من نفق المرحلة الماضية والتمكن من استعادة تملك حقوق الإنسان وكذا الاتساع المتواصل لفضاء الحريات، وانفجار المطالب الهوياتية والخصوصية والتشكيك في كونية حقوق الإنسان واتهامها بالهيمنة من جهة أخرى.
الكونية مسلسل بناء متواصل
هكذا أبرز المتدخلون أن الكونية هي عبارة عن مسلسل بناء متواصل لا ينقطع، فرغم طابعها العقلي المنطقي فإن جانبها العملي لم "يسقط من السماء" وإنما هو نتاج الزمن والتاريخ والمجهود الإنساني المتواصل. وفي هذا الصدد، اعتبروا أن حقوق الإنسان ليست تراكمية وليست محكومة بالزمن التاريخي فقط وغير مضمونة ولا تنتقل من جيل إلى آخر بطريقة آلية، وإنما تقع على عاتق كل جيل مسؤولية إعمالها وتكريسها وإعادة اكتشافها انطلاقا من المواد الأولية التي يتركها الجيل السابق. ذلك أن الدينامية الداخلية لحقوق الإنسان توضح أن ما يطبعها هو التدرج والاتساع وتجدد المعاني. كما أثاروا الانتباه إلى أن كونية حقوق الإنسان كمسلسل متواصل، لا تتأتى بعملية بناء، بل أيضا بتفكيك جينيالوجيا الكون وإبراز التعددية وروافدها وسياقاتها.
وخلصوا إلى أنه ليس هناك تعارض بين كونية حقوق الإنسان والخصوصيات الثقافية باعتبار أن هذه وتلك لا يمكن أن تترعرعا وتنموا إلا في بيئة ديمقراطية.
التقاليد الدينية وكونية حقوق الإنسان
سلطت بعض المداخلات الضوء على انتقال كونية حقوق الإنسان والتقاليد الدينية في الفكر الديني المسيحي من الرفض والتوتر إلى التصالح والملاءمة، كما أبرزت مداخلات أخرى ضرورة إحياء نظرية المقاصد في الفكر الديني الإسلامي بجعلها أرضية لإعادة قراءة النصوص وتفجير طاقات فكر لاهوتي وتشريعي جديد يتملك حقوق الانسان في كونيتها واكتمالها ووحدتها.
في هذا النطاق، تم التأكيد على أنه لامناص لكل تقليد لاهوتي من فتح أوراش تأويلية داخلية في تفاعل مع فلسفة حقوق الإنسان وذلك لإبداع لغة جديدة وخطاب جديد وعملية ترجمة (بمعنى التأويل الثقافي) وإعادة صياغة الأسئلة اللاهوتية والنظرات الأخلاقية الاجتماعية.
حقوق الإنسانية والتعددية الثقافية
تساءل المشاركون : هل العلاقة بين الحقوق الإنسانية والتعددية الثقافية محكومة بالتنافر والتوتر أم أنها قابلة بأن تدبر وفق منطق ملاءمة عقلانية وبراغماتية
كما أشارت عدة تدخلات إلى أن نواة حقوق الإنسان، كما صاغتها الدينامية الفكرية منذ الأنوار وانتهاء بالعهود المعاصرة، تلمست طريقها في سياقات تاريخية ولغوية وثقافية نابعة من التاريخ والمجتمعات ولم تفرض بشكل متعال عن هذا الواقع. فحسب هذا المنظور، لا كونية خارج سياقات اللغات والتقاليد الثقافية والخصوصية، ومن ثمة فالكونية تتشكل تدريجيا بالتأويل الثقافي وإعادة التأويل وفق منطق للتلاؤم العقلاني ( accommodements raisonnables ). وأشار المتدخلون إلى أن التعددية الثقافية تحتاج لتحيى وتنمو لمنظومة حقوق الإنسان، إذ لا تعددية مضمونة خارج حقوق الإنسان.
يذكر أن هذا اللقاء الفكري والحقوقي قد تميز بشكل خاص، بحضور كل من السيد سمير ديلو، وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية بتونس، ومسؤولي مجموعة من المؤسسات الدستورية المغربية والسيد المحجوب الهيبة، المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، بالإضافة إلى رؤساء العديد من المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ورؤساء العديد من المنظمات الدولية غير الحكومية العاملة في مجال حقوق الإنسان منها الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان والشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان والمعهد العربي لحقوق الإنسان.
وقد سعى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، من خلال هذا اللقاء، إلى المساهمة في النقاش حول كونية حقوق الإنسان وعدم قابليتها للتجزيء, وهو النقاش الحاضر على عدة مستويات، إقليميا ودوليا، والذي تتأكد راهنيته من خلال النقاشات والأشغال التي يشهدها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وكذلك من خلال الجدل الواسع الثقافي والقانوني والفلسفي الذي تعرفه مناطق مختلفة من العالم وكذا على المستوى الوطني حيث تشكل ملاءمة الأنظمة المعيارية والممارسات السوسيو ثقافية الخاصة مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان, تحديا مستمرا وتفرض نفسها على كل الفاعلين.
وقد استلهم المجلس مبادرته هاته من الزخم الجديد الذي منحه الدستور المغربي لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها في مختلف أبعادها, المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.