الرأي الاستشاري بشأن ملاءمة القانون الجنائي المغربي لمكافحة الكراهية والميز والعنف
في خطاب العرش لسنة 2003؛ تفضل صاحب الجلالة أيده لله بتكليف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان «بالانكباب على إعداد الاقتراحات اللازمة، لسد الفراغات التشريعية، في مجال محاربة كل أشكال العنصرية والكراهية والعنف».
ويتشرف المجلس بأن يعبر لمولانا صاحب الجلالة عن اعتزازه بالثقة السامية التي وضعها فيه من خلال هذا التكليف، وعن تقديره وامتنانه لحرص جلالة الملك على أن يقوم المجلس بجميع صلاحياته.
وقد قام المجلس بدراسة متخصصة ومفصلة لمقتضيات التشريع الجنائي المغربي ذات الصلة بمكافحة الميز والكراهية والعنف، في ضوء ما تقضي به المواثيق الدولية، وما يستشف من القانون المقارن في هذا المجال.
وانطلق في ذلك من أن الزجر المشروع والعادل والفعال لمظاهر الميز والكراهية والعنف هو من المقومات الأساسية لدولة الحق والقانون والديمقراطية، وهو من صميم حماية حقوق الإنسان في العيش في أمان واطمئنان، وفي التمتع بالحريات الأساسية دون تمييز بسبب الإعاقة أو الجنس أو العرق أو الدين أو الثقافة أو الحالة الاجتماعية أو غيرها.
وبعد التداول في نتائج هذه الدراسة المتخصصة، خلال دورته المنعقدة بتاريخ 20 يوليوز 2004؛
سجل المجلس بأن القانون الجنائي المغربي، تم تعديله وتتميمه في الآونة الأخيرة في اتجاه تجريم مختلف أشكال العنف والميز والكراهية المؤدية لهما، وكذا التحريض على العنف والإشادة بجرائم الإرهاب. وذلك بموجب القانون رقم 24.03 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.03.207 بتاريخ 16 رمضان 1424 (11 نونبر 2003)، والقانون رقم 02.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.03.140 بتاريخ 26 ربيع الأول 1424 (28 ماي 2003)، وكذا القانون رقم 77.00 المغير والمتمم لقانون الصحافة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.207 بتاريخ 25 رجب 1423 (03 أكتوبر 2003).
كما تبين خلال مناقشة الموضوع أن القانون الجنائي، وإن صار يتضمن مقتضيات متقدمة في تجريم مختلف أشكال العنف والميز والكراهية المؤدية لهما، وكذا التحريض على العنف والإشادة بأخطر جرائم الإرهاب؛ فإنه يظل في حاجة إلى المراجعة قصد تحديثه وملاءمته مع مختلف التطورات المجتمعية والمواثيق الدولية ذات الصلة والفكر الجنائي المعاصر والمستجدات التشريعية. مع الحرص على توحيد المصطلحات الجنائية بشأن أشكال الميز المدانة، وذلك على أساس التعريفات المتطورة دوليا، مع الحرص على تناسق المدونة الجنائية مع التشريعات الأخرى ذات المقتضيات الجزائية المطلوب مراجعتها في هذا الاتجاه.
وبناء على ذلك، استقر رأي المجلس على أن يرفع إلى حضرة صاحب الجلالة الاقتراحين التاليين؛ الأول يخص اتخاذ تدابير عملية وإجرائية لتفعيل المقتضيات الجديدة، والثاني يتعلق بضرورة الشروع في مراجعة القانون الجنائي.
الاقتراح الأول: تفعيل المقتضيات الجديدة
تفعيلا للمقتضيات الجديدة التي أتت بها المراجعة التشريعية المشار إليها أعلاه، يرى المجلس أن العبرة ليست فقط بوجود القوانين وإنما أولا بالوقاية من الجرائم وثانيا بتفعيل التشريعات؛
ونظرا لحداثة وتنوع العديد من المقتضيات المتصلة بمكافحة مختلف أشكال الكراهية والميز والعنف والتحريض على ذلك؛ فإن هناك حاجة إلى ما يلي:
إصدار دليل عملي يشرح المقتضيات الجديدة وكيفية تفعيلها، واعتماد هذا الدليل كأساس للتحسيس والتكوين الممنهج لمختلف مكونات الجهاز القضائي ومساعديه وبصفة خاصة الموظفين المكلفين بتنفيذ القوانين وسائر الأفراد والجهات المساعدة للعدالة؛
التحسيس بقيم التسامح والمساواة وقبول الاختلاف وإشاعة ثقافة المواطنة العصرية؛ وذلك عبر مختلف قنوات التربية والتعليم والتكوين والإرشاد والاتصال العمومي، بهدف الوقاية من جرائم العنصرية والكراهية والميز والعنف والتحريض عليها.
الاقتراح الثاني: مراجعة القانون الجنائي وتحديثه
استحضارا للأعمال البحثية والدراسات المتخصصة التي سبق أن قام بها المجلس الاستشاري في ولايته السابقة حول موضوعات حيوية تخص بعض مقتضيات القانون الجنائي؛
وانطلاقا من الدراسة المتخصصة والمناقشة التي أعقبتها من لدن المجلس في تركيبته الجديدة في الموضوع؛ يلتمس المجلس من النظر السديد لصاحب الجلالة مراجعة هذا القانون توخيا للأهداف العامة المذكورة أعلاه، وتحقيقا للغايات المنشودة من بينها:
تدقيق الأوصاف والعناصر المكونة لجرائم الشتم والقذف المقترنة بأشكال الكراهية والعنف، وتجريم الشتم والقذف الموجهين لفئات تكون ضحية أشكال الميز المدانة، كلما اقترن ذلك بتحريض الناس على كراهية هذه الفئة أو تلك؛
تحقيق الانسجام مع مبادئ وأسس الفلسفة الجنائية الجديدة التي تبلورت في قواعد القانون الجديد للمسطرة الجنائية، الذي أقر توجهات عصرية وحديثة فيما يخص الضمانات القانونية والحقوقية للمحاكمة العادلة؛
توطيد المكتسبات التي تحققت للنساء والأطفال من خلال مدونة الأسرة ومدونة الشغل والتعديلات التي أدخلت على المدونة الجنائية بموجب القانون رقم 24.03، وذلك تجسيدا للإرادة الملكية السامية ولإرادة الأمة؛ مع إدماج تعاريف ومقتضيات جديدة تخص تجريم أفعال سوء المعاملة والاستغلال والعنف التي هي موضوع التزام المملكة المغربية بموجب الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي صادقت عليها أو انضمت إليها.
والنظر الواسع والرأي السديد لمولانا صاحب الجلالة أيده لله.
الاجتماع الثاني والعشرون للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان
الثلاثاء 02 جمادى الثانية 1425هـ موافق 20 يوليوز 2004م