• تصغير
  • تكبير

الكلمة الافتتاحية لرئيس المجلس السيد أحمد حرزني

بسم الله الرحمن الرحيم

السادة الوزراء،

السيد والي المظالم،

السيدات والسادة الأعضاء،

حضرات السيدات والسادة،

بادئ ذي بدء يسعدني أن أرحب بكم جميعا بمناسبة افتتاح الاجتماع السادس والثلاثين لمجلسنا، الذي أتمنى أن يتكلل بكامل التوفيق والنجاح.

ينعقد اجتماعنا هذا ونحن نفتح صفحة أخرى في عمل المجلس بعد أن قطعنا عدة أشواط على درب ترسيخ حقوق الإنسان وحمايتها والنهوض بها، لاسيما بعد الورش الكبير المتمثل في متابعة تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، حيث دخلنا مرحلة جديدة على إثر نشر التقرير الخاص بهذه العملية خلال شهر دجنبر من السنة الماضية، ويجري حاليا تهيئ نشر الملاحق المفصلة المتعلقة بمختلف أجزاء ذلك التقرير.

هكذا وبعد أن استأثرت متابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، لمدة طويلة، بجل مجهودات المجلس، فتحنا منذ مدة غير قصيرة بعض الأوراش المتعلقة بحقوق مدنية لم تنل، إلى حد الساعة، الاهتمام الذي تستحقه .

ففي مجال المنظومة الجنائية، ومن منطلق اختصاصات المجلس في إطار ملاءمة التشريعات الوطنية مع التزامات بلادنا الدولية، ومع توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، يسعدنا أن نقدم أمامكم اليوم الدراسة التي أنجزها المجلس حول مشروع قانون المسطرة الجنائية لملاءمتها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ودعما لورش الإصلاحات القانونية الذي خطت بلادنا بشأنها خطوات هامة في العديد من المجالات، بعد أن سبق، خلال الشهور الماضية، تقديم الدراسة التي أنجزت حول القانون الجنائي.

كما سنقدم أيضا مشروع الدراسة المنجزة حول موضوع الاتجار في البشر، التي تم إنجازها انطلاقا من اختصاصات المجلس المتعلقة بحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، ولاسيما لما يتعلق الأمر بالفئات الهشة وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، وكذا في ضوء خلاصات الاستشارات التي تمت مع القطاعات الحكومية المعنية والهيئات المتخصصة وغرفتي البرلمان وبعض جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالموضوع ، علاوة على نتائج لقاءات دولية حول موضوع الاتجار في البشر، و تجارب دولية ناجحة وممارسات فضلى في المجال، وما تمخض عن دراسة المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة، والاستئناس ببعض الدراسات والإحصائيات المتوفرة حول الموضوع.

وعلى مستوى الحقوق الفئوية ينصب اهتمام المجلس أيضا على التفكير، بشكل تشاركي مع شركاء فاعلين وطنيا ودوليا، في إمكانية إحداث آلية للتظلم خاصة بالأطفال الذين انتهكت حقوقهم، من خلال تقديم الإطار المعياري الدولي المعتمد في هذا المجال، مع الاستناد إلى بعض التجارب وكذا اقتراح نماذج لآليات التظلم التي يمكن اعتمادها في المغرب، وذلك عقب إنجاز تشخيص لواقع الحال في ما يتعلق بالآليات الوطنية لحماية حقوق الأطفال والنهوض بها، ومن منطلق القناعة بنجاعة دور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في هذا الصدد.

أما فيما يخص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والتي لا تقل أهمية، طبعا، عن الحقوق المدنية والسياسية، فقد عرف هذا الورش، من ضمن مبادرات أخرى، إنجاز دراسة حول الحق في التنمية انصب أساسا على مجالات الصحة والتربية والسكن والشغل باعتبارها من أهم الحقوق الواردة في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في علاقة بالأهداف الإنمائية للألفية، وهي حقوق تتميز باستمرار وارتفاع المطالبة بإعمالها، وكذا بطابعها الحاسم بالنسبة للاستقرار الاجتماعي وتحقيق التنمية المستدامة، و بكونها أضحت تحظى بالأولوية عند تقييم مدى جهود الدول في التفعيل العملي لحقوق الإنسان.

حضرات السيدات والسادة

بالنسبة للأوراش الأخرى المفتوحة من قبل المجلس والمتمثلة في مشاريع أساسية مهيكلة فقد تواصل إعمال هذه المشاريع ، حيث أنهت لجنة الإشراف على مشروع الخطة الوطنية للنهوض بالديمقراطية وحقوق الإنسان أشغالها، وتم يوم 10 يوليوز الجاري تقديم الصيغة النهائية للسيد الوزير الأول، بحضور أعضاء من الحكومة ولجنة الإشراف، وبذلك ستكون بلادنا قد استجابت لإحدى أهم توصيات كل من تصريح وخطة عمل مؤتمر فيينا لحقوق الإنسان المنعقد سنة 1993 .

وقد أكدنا مجددا أمام السيد الوزير الأول أن هذا العمل هو ثمرة عمل تشاركي لمختلف الفاعلين، وأن بلادنا بقدر ما كانت لها الإرادة والجرأة في طي صفحة الماضي، تحدوها نفس الإرادة في التخطيط للمستقبل في مجال البناء الديمقراطي وترسيخ حقوق الإنسان. وينبني مشروع الخطة الوطنية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، الذي يتضمن مجموعة من التوصيات والتدابير الإجرائية، على أربعة محاور أساسية هي الحكامة والديمقراطية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وحماية الحقوق الفئوية والنهوض بها، وكذا الإطار القانوني والمؤسساتي. ومن جهته نوه السيد الوزير الأول بنجاح لجنة الإشراف في إعداد هذا العمل الوطني الهام، معلنا أن الحكومة ستنكب منذ الآن على دراسة الآليات والترتيبات الكفيلة بتفعيل مضامين هذه الخطة. وسوف يقدم السيد الأمين العام للمجلس، ضمن جدول أعمال هذا الاجتماع، عرضا حول هذا المشروع المهيكل.

كما يواصل المجلس، من خلال لجنة الإشراف على الأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان، الإعداد العملي لتفعيل مقتضياتها في المجالات التي حددتها، من خلال مجموعة من الإجراءات والتدابير. ومما يجدر التذكير به أن الأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان تهدف إلى خلق دينامية لتعبئة الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين من أجل ترصيد وتنسيق مجموع الأنشطة في مجال النهوض بثقافة حقوق الإنسان، في إطار رؤية متسمة بالشمولية والانسجام والديمومة، تستجيب لهدف مجتمعي يقوم على ترسيخ قيم حقوق الإنسان في المجتمع والعمل على تملك أفراده لتلك القيم. وقد حددت الأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان ثلاثة مستويات للتدخل تهم التربية والتكوين والتحسيس. وسيتم تقديم مقترحات لجنة الإشراف إلى الحكومة خلال الأسابيع القليلة القادمة بمجرد الانتهاء من وضع لمساتها الأخيرة من قبل لجنة الإشراف.

حضرات السيدات والسادة

كوننا انتقلنا إلى مرحلة أخرى لا يعني أننا نفضنا أيدينا من كل ما يتعلق بمتابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ، والدليل على ذلك أننا، خلال شهر يونيو الماضي، أعطينا انطلاقة الشطر الثاني من مشاريع برنامج جبر الضرر الجماعي، حيث تم إبرام عقود الشراكة مع الجمعيات التي وقع عليها الاختيار طبقا للمعايير المعتمدة، في المناطق المستهدفة، وبهذا بلغ عدد مشاريع البرنامج 83 مشروعا، ويتوقع أن يبلغ حوالي 100 مشروع بعد الانتهاء من الشطر الثالث. بالموازاة مع هذا تتواصل جهود المجلس من أجل تكريس سياسة القرب، إذ يجري التحضير لافتتاح مكتبين إداريين جهويين جديدين بكل من الحسيمة والدارالبيضاء خلال الشهور القادمة.

وفي مجال تنظيم الأرشيف الوطني، تم الاتفاق مع وزارة الثقافة، يوم الجمعة 2 يوليوز الجاري، على تخصيص مقر الخزانة العامة بالرباط كمقر لمؤسسة أرشيف المغرب، مع تهيئة البنية التحتية الضرورية لذلك. وهذه المؤسسة الهامة سوف تقوم بدور حيوي من أجل تدبير التراث و الحاضر و البحث المعرفي. كما التزمت وزارة الثقافة بتسريع مسطرة اختيار مدير لمؤسسة الأرشيف الوطني.

أما في مجال التعاون والعلاقات الخارجية للمجلس، فقد واصلنا التفاعل مع مختلف الهيئات الدولية المعنية والمختصة، حيث نظم المجلس، بتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ولجنة التنسيق الدولية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، خلال شهر يونيو الماضي ندوة دولية شارك فيها خبراء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، من دول ألمانيا وإيرلندا وفنزويلا وكوريا الجنوبية والدانمارك وجنوب إفريقيا، علاوة على المغرب بطبيعة الحال. وقد أسفرت أشغال هذه الندوة عن اعتماد "إعلان مراكش" حول تطوير والنهوض بالعلاقات بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والمعاهدات التي تنشئ أجهزة مراقبة تطبيق مقتضيات الاتفاقيات الدولية.

كما سوف يحتضن المجلس في الشهور القادمة لقاء للمؤسسات العربية والإيبيرو أمريكية من أجل بلورة تصور محدد لآلية قارة للحوار بين الطرفين، على غرار ما تم في إطار الحوار العربي الأوروبي.

وفقنا الله جميعا لما فيه خير بلادنا

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

رئيس المجلس أحمد حرزني

أعلى الصفحة